Home > Blog > Article by Mansour Bou Dagher

Article by Mansour Bou Dagher

September 9th, 2009

اللغة اللبنانية بالحرف اللاتيني بين رسائل الهاتف والعقل الالكتروني…وسعيد عقل!
منصور بوداغر

لا يزال سعيد عقل، رغم سنه الذي ناهز الخامسة والتسعين، محور المعرفة اللغوية بأبجديته المبنية على الحرف اللاتيني التي وضع أسسها منذ ما يزيد على خمسة وأربعين عاما، والهادفة إلى كتابة اللغة اللبنانية بالحرف اللاتيني.

ويتفق المشتغلون باللغة ولا سيّما العالمون منهم بحرف سعيد عقل على أن ما يستعمله اليوم الناس في كتابتهم لرسائلهم الالكترونية وتواصلهم عبر الانترنت هو المبدأ الذي سعى إليه الشاعر الكبير وليس الابجدية التي وضعها مع ضوابطها والتي، إن تم تعميمها، لحلت كل مشاكل الحرف التي يواجهها المتواصلون على الانترنت في أحاديثهم ورسائلهم. ويشيرون إلى رفض سعيد عقل تسمية “لغة سعيد عقل” على اعتبار أن هذه اللغة هي اللغة اللبنانية وهو أوجد لها أبجدية تعتمد الحرف اللاتيني. وسبب اعتماده هذا الحرف وليس غيره كَون هذا الاخير هو الاكثر كتابة أو انتشارا، خصوصا أن اللبنانيين ليس لديهم أي عقدة تجاه أيّ أبجدية، وذلك يعود إلى أن كل أبجديات العالم مصدرها الابجدية الفينيقية، كالروسية واليونانية والفرنسية والانكليزية حتى منها العربية، ويمكن استثناء الصينية واليابانية وما شاكلهما التي لا تستعمل الاحرف أساسا. ويمكن كتابة أي شيء بهذا الحرف، فهو غير اللغة وليس له علاقة بها، تماما كما الثياب لا علاقة لها بالجسم وإن رآها المرء دائما على الجسم فهي غير الجسم.

أستاذ اللغة الفرنسية في مدرسة الجمهور جيلبير خليفة، وهو من دعاة اعتماد اللغة اللبنانية بالحرف اللاتيني، لاحظ أن على الانترنت تم استبدال بعض الاحرف بأرقام، فحرف الحاء يرمز اليه الرقم 7 وحرف العين الرقم 3 والهمزة الرقم 2. وأكد الشاعر واللغوي موريس عوّاد أن الحرف اللاتيني كما عدله سعيد عقل ليس هو ما يستعمل اليوم على الشبكة العنكبوتية، بل الحرف الفرنسي الموجود في التداول حاليا. فعقل نظّم الحرف وأصلحه ووضع له الـ”آف” والـ”همزة” والـ”عين” وغيرها. أما الموجود حاليا، وهو الاستعاضة عن بعض الاحرف بالارقام، فهو مسألة تزول مع الايام وتنتهي. وقال “يوما ما عليهم إيجاد حرف يكون لكل الشعوب وليس لفئة معينة تقرأ الرقم حرفاً، وهو أمر محدود للغاية، وكان من الافضل أن يتم الاخذ بأحرف سعيد عقل الموجودة في (مرجوحة القمر) و(آيات وصور) و(دفاع سقراط) و(روميو وجوليات) وغيرها. وفي هذه الاحرف نجد العين والآف” والحاء” والخاء والهمزة، اذ أضافها سعيد عقل كلها والاستعانة بها أفضل بكثير لان إضافة ارقام إلى اللغة لن تؤدي إلى أي مكان فالحرف هو حرف وليس رقماً، والكتابة بالرقم محدودة وبسيطة. والتطبيق الذي يحصل على الحاسوب اليوم ليس غير علمي بل هو مزاجي. في النتيجة هذا التطبيق يحوي شيئا من التجارة والاستقراب وهو أمر رخيص لن يكتب له الحياة، فالحرف بحاجة إلى حرف وليس إلى أرقام”.

من ناحيته لا يرى الاعلامي حبيب يونس، مدير إذاعة “صوت الغد”، أن حرف سعيد عقل مطبق حاليا على الانترنت. وقال “لقد أخذوا القاعدة نفسها التي ارتكز عليها عقل ولكن مع تطبيق أمور أخرى عليها من دون نسخها كما هي. فمثلا يستعمل الرقم 7 مكان حرف الحاء في حين أن عند عقل هي حرف X. أما الانتقاد لاعتماد الحرف اللاتيني، ففي الاصل هذا الحرف يكتب بأشكال متفاوتة وفيه ثغر عدة حيث يستعمل الحرف نفسه في أماكن عدة بألفاظ مختلفة”.

وقال الشاعر وأستاذ اللغة العربية الشاعر رفيق روحانا والذي وضع رسالة ماجستير موضوعها “ثورة الحرف عند سعيد عقل”، إن “ما يطبق على الانترنت اليوم هو حرف هجين، ولغة الانترنت تكتب بالحرف اللاتيني المشوّه إذ يستعملون علامات في غير موضعها، وهذا ما يسمى ببدائية المعرفة ولو أن لديهم المعرفة الكاملة لاخذوا بحرف سعيد عقل الذي يحل لهم كل المشاكل من دون الحاجة الى الحزازير التي أوجدوها”. وأضاف “هذا التطبيق اليوم لا مفر من تطوره نحو حرف سعيد عقل لسببين: كون هذا الحرف حقيقة لا أحد يستطيع أن يدحضها والحقيقة دائما تنتصر، وكون أن ثمة أناساً يسعون وراءها فيطبعون ويكتبون بهذا الحرف. وحتى لو لم يكن أحد وراء الحقيقة فهي ستنتصر ولكن متأخرة، ولأن ثمة ساعين وراء حقيقة سعيد عقل فستنتصر أسرع”.

وإذا سوّق أحدهم هذا الحرف إستنادا على ما تعتمده طريقة لغة الانترنت فمن المؤكد أنه سيلقى رواجا. إلا أن تطبيق هذه الابجدية على الانترنت بحاجة، على ما يقول خليفة ويونس، إلى إدخالها على الحاسوب عبر برنامج خاص فيمكن حينها صف الاحرف وتاليا إرسال الرسائل الالكترونية بواسطتها. وثمة مجموعة صغيرة تعتمد هذا الحرف على الانترنت، وقد وُضع برنامج معلوماتي لهذا الحرف وهو معتمد أيضا إلا أن هذه المسألة بحاجة إلى متابعة.

سعيد عقلأما عن فلسفة الحرف عند سعيد عقل، فهي قائمة على وضع أبجديّة يدل كل حرف منها على صوت phoneme واحد محدد. وعن هذا الموضوع تكلم كل من المتابعين لهذه الفلسفة على طريقته مدعما رأيه بعدة امثلة دالة وهادفة.

الشاعر موريس عوّاد قال “متى تكلمنا في اللغة والحرف نكون دخلنا إلى عالم العلوم. وعندما نسعى إلى إصلاح ما هو معطل يجب استعمال المنطق. والمنطق في ما صنعه سعيد عقل يقوم على أن يكون لكل صوت أو نبرة حرف يدل عليها. ومثال ذلك، عندما أكتب كلمة (راحوا) لا أضع لها (ا), فالالف تعمل عمل الالف فقط فلا أضعها من دون أن ألفظها. أو ككلمة طاولة نكتبها (طَوْلي)، فأكتب كما ألفظ وكل ما هو مكتوب أقرأه، فلا أكتب شيئا لا ألفظه أو أضعه ديكورا لانني ورثته”.

أما خليفة فانطلق من أن “كل أبجديات العالم اليوم سيئة لا قيمة للحرف فيها، مثال ذلك في الفرنسية ils mangent أي (هم يأكلون)، لا نعرف عند لفظها ما إذا كانت بالمفرد أو الجمع، وفي الحالة الثانية لا نلفظ فيها حرف s من ils وأحرف ent من mangent ففقدت هذه الاحرف قيمتها. وفي فلسفة سعيد عقل على كل صوت أن يقابله حرف، فمثلا الحاء يرمز اليها حرف X لأن سعيد عقل ألغى مدلوله الاصلي المستعمل اليوم، وذلك كون هذا الحرف يتألف من صوتين يعودان الى حرفين آخرين هما الـ K وC وعندما نريد أن نلفظ حرف X نكتب الحرفين السابقي الذكر، وهذا الامر يخرج حرف X من الاستعمال، فخصصه سعيد عقل لصوت حرف الحاء. أما العين فقد رمز إليها عبر حرف Y مع شَرْطة لجهة الداخل في أعلى خطها الشمالي، علما أن التعديل في شكل جميع الاحرف التي أضافها عقل يأتي من ضمنها أي متصلا بها لان عقل يرفض وجود نقاط أو شحطات على الحرف ومستقلة عنه، فالحرف يكون متكاملا وجديدا يرمز إلى صوت واحد، فالطاء تكتب T مع شَرْطة في وسطها لجهة الشمال من ضمن الحرف نفسه”.

وبحسب يونس، “على كل حرف يلفظ أن يكتب وأينما وقع يلفظ بقيمته ومعناه اياهما. وكان عقل يعطي حرف X كمثال على ذلك، ويعتبر أن هذا الحرف يقع في ستة أماكن في اللغة الفرنسية وفي كل مكان يستعمل بطريقة مختلفة ككلمة perdrix وexamen وغيرها. وهو يلفظ حينا ولا يلفظ أحيانا، فما شاء فعله هو أن يكون لكل صوت يلفظ حرف يعبر عنه. وقد طوّر عقل مبدأه وحرفه حتى أصبح واضحا، فكتابه (يارا) كُتب بحرف ينقص عن الحرف الحالي. أما حرف الرسائل الالكترونية فيقرّب بعض الامور. مثلا الرقم 2 يقوم مقام الهمزة، ولكن إذا كتبت كلمة 2ana بهذا الشكل فهي ستلفظ تماما كما ana من دون استعمال الرقم. وسعيد عقل وضع حرفا مكان الرقم ويرمز له بحرف C مع شارطة أو قاطعة (/) في كعبها وجعلها حرف A أو الألف الصامتة consonne فميزها تاليا عن حرف A المصوّت voyelle. وقد حاول بمنطق الابجدية الفينيقية الذي اختصر مجموعة تصويرات تدل على شيء معيّن بحرف واحد، وضع أبجدية عالمية تضم كل الاحرف، ملغيا من بينها حرف القاف الذي لا يستعمل إلا في بعض الدول أو عند قسم من شعبها كما في لبنان وعند الشعب الكردي، وحتى عند العرب فهي أصبحت تلفظ لدى قسم كبير منهم مثل حرف الغين، كقولهم (إيش تغول) بدلا من ماذا تقول، أو مثل حرف الهمزة كقولهم (فؤَرَى وسَأَطو) بدلا من (فقراء وسقطوا). فمحاولة سعيد عقل هي تقريب الحرف من المنطق بشكل يسمح لك عندما تقرأ بأن تفهم وليس أن تفهم حتى تستطيع بعدها أن تقرأ كما هي الحال مثلا مع اللغة العربية أو مع بعض اللغات الاخرى. ثمة لغات كالاسبانية تُقرأ من دون خطأ لان الحرف الذي يكتب يلفظ مع بعض النواقص. مع أبجدية سعيد عقل التي تضم 29 حرفا نجد لكل منها لفظاُ واحداً فقط، مع بعض الفوارق بين المصوّتات voyelles، كما عند وجود ألف ممدودة حيث يتم وضع حرفي ألف أي aa كما في كلمة (كانوا) التي تكتب qaanu (مع الاشارة إلى أن حرف u يلفظ بصوت الواو ou] حتى لا تلفظ (كَنوْا) أو (إيه) حيث نضع حرفي ee، وهذا ما سهّل جدا القراءة الصحيحة، فعليك أن تقرأ لتفهم وليس أن تفهم حتى تقرأ كما هي الحال في بعض اللغات. أما في لغة الحاسوب فلم يعتمدوا هذا المنطق, بل استعاضوا عن بعض الاحرف بالارقام بشكل ثابت وهو ما قرّبهم من العقل فاستعملوا الارقام 7 و5 و3 و2 مكان احرف الحاء والخاء والعين والالف. فمن هذه الناحية اقتربوا من سعيد عقل ولكن لا يزال كل شخص يكتب على الانترنت بطريقته الخاصة، في حين أوجد عقل لها القواعد وطريقة الكتابة. مع سعيد عقل كان القصد التسهيل على العقل والسرعة بمعنى تخصيب الزمان أي استغلال كل دقيقة أو لحظة عبر توفير الوقت الذي يمضيه الكاتب بالتفكير في القاعدة التي على أساسها عليه أن يكتب، فتصبح القدرة على التعبير بمستوى الفكر لحظة التفكير فيختصر الوقت بشكل كبير وتسهل الامور إلى حد بعيد”.

من جهته، أكد الشاعر رفيق روحانا أن “الحقيقة والمبدأ الاساسي يقومان على أن المرء لا يستطيع أن يكتب بالحرف العربي أو الفرنسي أو أي حرف في العالم ما يفكر فيه لأن هذه الحروف ناقصة لا تخدم اللغات في العالم، بينما حرف سعيد عقل يخدم كل لغات العالم لأنه يتمتع بميزتين: المنطق أي كل صوت له حرف، والاناقة أو الجمال. سعيد عقل أدخل المنطق على الحرف. الحرف خلق لكي يعبّر عن كل صوت بشكل معيّن، فجاء الناس والحضارات والمتفلسفون وخرّبوا هذا المنطق. أما عقل فأعطى لكل صوت شكلاً، وهذا الشكل لا يمكن أن يعني حين يتكرر في موضع آخر صوتاً آخر بتاتا، خلافا مثلا للغة الفرنسية حيث حرف السين S يلفظ أحيانا كحرف الزين Z أو حرف الإكس X أو بشكل مشدد SS أو حتى لا يلفظ. فحرف سعيد عقل يحافظ على الصوت الذي يعبر عنه أينما ورد، وبذلك ومنطقيا تصبح قراءتنا صحيحة. فاستعمال الحرف باصوات مختلفة أو حتى دون صوت هو خلاف المنطق تماما، فكيف يمكننا قراءة حرف معيّن يرد بأصوات مختلفة بحسب الكلمة الوارد فيها. فهذا تخريب للمنطق وللعقل. ويهدف سعيد عقل إلى إزالة هذا الشذوذ من أكثر الحروف استعمالا اليوم في العالم ألا وهو الحرف اللاتيني. وكونه الاوسع انتشارا أصلح هذا الحرف بالذات. وهو الوحيد الذي سينقذ العالم من خراب العقل. تصوّر أننا نعلّم التلميذ أن واحداً زائداً واحداً يساويان اثنين، ثم في اليوم التالي نقول له إنهما يساويان خمسة. ولكن كيف يقبل بأن نقول له إن حرف A يعني في المرة الاولى A وفي المرة الثانية يعني E وفي المرة الثالثة لا يعني شيئا ورغم ذلك علينا كتابته. يقبل هذا الامر لأنه طفل ويظن أننا نفهم أكثر منه ويتربى على هذه المعرفة. فمثلا في كلمة temps نقرأ حرف e كحرف a في حين أننا لا نقرأ أياً من الاحرف m وp وs، فكيف يمكن أن نُقنع التلميذ الذي لفظ ثلاثة أصوات هي t وa وn أي tan بأن يكتب بدلاً منها temps فهذا شذوذ في العقل. ولكن كونه تعلم هذه الكتابة وهو صغير فقد قبلها. وإذا قلنا له اليوم أننا سنكتب temps بشكل tan فهو سيهزأ بنا ويعتبرنا جهلة كونه تربى على هذا الجهل اللغوي. الناس متى تعودوا على الخطأ يظنون أن الخطأ صواب ويستهزئون بالصحيح.
ومن الامثلة على هذه المسألة حرف e يكتب أحيانا et وest وez وai وكلها لها الصوت نفسه مع اختلاف طفيف. ومثلا كلمة mais لا نلفظ فيها حرف s، في المقابل لدينا كلمة son فإذا جمعنا الكلمتين يصبح لدينا كلمة maison وحرف s يلفظ فيها على انه زين Z. ولتبرير هذا الشذوذ أوجد اللغويون له عنواناً وهو كونه موجوداً بين مصوّتين entre deux voyelles, فكأن ذلك بنظرهم يصوّب المسألة. في الحرف العربي مصدر اللامنطق أيضا اللفظ والكتابة، ومن مظاهره قولنا مثلا “في الشمس”، لفظنا منها أحرف الفاء، الشين مرّتين، الميم والسين، في حين أننا كتبنا زيادة الالف والياء واللام وهي غير موجودة في اللفظ، فلماذا كتابتها؟

ويتّصف حرف سعيد عقل بالاناقة والجمال، فليس من نقاط على الحرف أو تحته أوعلى جنبه أو علامات تدل على نبراته كما في الفرنسية (les accents) نَبْر القُصر أو العَوَض أو المَد وذلك على عكس واقع الحال في الحرف العربي واللاتيني، علما أن المشاكل التي نبحث فيها هنا لا علاقة لها بلغة من اللغات بل بالاحرف التي تكتب بها هذه اللغات. ومن مشاكل الحرف العربي، وليس اللغة العربية، افتقاره الى المساحة dimension ولهذا السبب يسمى الخط العربي. فالاحرف اللاتينية بشكل عام يمكن وضعها ضمن مربّع أو مربّعين. فحرف L يشكل مربّعين وحرفا A وE يشكلان مربّعا واحداً. أما في اللغة العربية فهذا الامر غير موجود. فحرف الباء هو عبارة عن طربوش صغير إذا ما وضعنا تحته نقطتين استحال ياء وإذا وضعنا فوقه نقطة أو نقطتين أو ثلاثاً استحال على التوالي نوناً أو تاء أو ثاء. وهذا أمر مؤسف فكثرة النقاط أشبه بالقذارة والشوائب وهي أحد أسباب بشاعة هذا الحرف. وبنفس المعنى، لا يمكننا أن نكتب من دون ضمة وفتحة وكسرة لحسن القراءة، وعند وضعها على كل الحروف نصبح أمام لوحات من الخَربشة يعتبرها البعض ممن أفسده هذا الحرف فناً جميلاً. كما أن هذا الحرف يفتقد للمساحة والحجم كما في “اللهم” نبدأ من فوق مع اللام حتى نصل إلى أسفل مع الهاء دون تناسق. فالحرف يجب أن يكون أنيقا يعلن عن نفسه بنفسه دون أن نضطر للاستعانة بأمور أخرى للدلالة عليه. فلا يجب أن يعرّف عن الحرف بضمة وفتحة وكسرة وسديلة cedille وهمزة وَصْل trait d’union، فكل هذه الامور مخالفة للمنطق وللجمال.

ويؤكد روحانا أن هذا الحرف مطبق في أمكنة عدة. فمثلا ثمة 19 كتاباً اليوم مطبوعة بهذا الحرف. ولمعرفة دلالات هذه المسألة يجب أن نعلم أن أول كتاب طبع بالحرف العربي كان في العام 1735 في حلب على يد الشمّاس عبدالله الزاخر، أما ثاني كتاب طبع بهذا الحرف فكان سنة 1800 مع مجيء المطبعة إلى مصر. أما سعيد عقل فقد طبع العام 1961 كتابه يارا، ثم طبع العام 1968 سبعة كتب بهذا الحرف، وهذا دليل على أنه حرف حي.

ويشير يونس إلى أن هذا الحرف تعرض للاستهزاء يوم أعلنه سعيد عقل، وقال عقل حينها إن هدفه هو حرف عالمي، وهو اليوم يدرّس في أهم ست جامعات في علم اللغات والالسنيّة من ضمنها جامعة السويد وأكثر من جامعة في الولايات المتحدة. كذلك بوشر بترجمة مجموعة من روائع العربية إلى اللغة اللبنانية وبالحرف اللبناني بواسطة الدكتور هشام شرابي ومنها الانجيل وكتابات للامام علي، علما أن أول كتاب لسعيد عقل بهذا الحرف كان “يارا” الذي استعمل فيه الحرف السابق للحرف الحالي. وبعدها أصبحت المجموعة التي معه تصدر مؤلفاتها بهذا الحرف، وهو أخيرا وضع كتابين بحرفه هما القداس الماروني الذي أسماه “نستا سوليمنيس” ومسرحية “عشتريم” وقبلهما كان قد وضع كتاب “الخماسيات”. وهناك جريدة “لبنان” التي كان يصدرها والتي كانت تكتب بالحرف العربي ومن ثم أصبحت تكتب بالحرف اللبناني. وهذا الحرف متطور، وكما يقال هناك لغات تفرض نفسها، وليس هناك من لغة وضعها شخص مع حروفها، فالزمن يصنعها ويأتي فيما بعد أناس يضعون لها قواعد. هذا ما حصل مع أبو الاسود الدؤلي يوم وضع قواعد اللغة العربية التي وُجدت قبل مئات السنين، ثم جاء في ما بعد من طوّرها. وكل يوم نجد قواعد جديدة للغات. والمعلوم أن في المجامع اللغويّة الاجنبيّة يحصل تغيير دائم لحروف ولكلمات ويضاف إليها أو يحذف منها بشكل يجعل اللغة كالحياة، نهراً جارياً كل يوم يحمل شيئا جديدا.
ويشير خليفة إلى وجود عالم ألماني يدعى هاينز غروسفيلد في اليونيسكو دعا كل لغات العالم إلى الاخذ والكتابة بحرف سعيد عقل ليس فقط بشكله ولكن أيضا بفلسفته أي بأن يكون لكل حرف لفظه. فاللغة اللبنانية بحرف سعيد عقل توضح الامور وتسهلها وتكسب المرء لغة جديدة في فترة قصيرة جدا، على عكس الحال مع اللغات الاخرى لا سيّما العربية منها.

وينبّه روحانا على هذا الصعيد إلى أن في الكون نوعين من القضايا، قضايا التصرّف وقضايا الفكر. الاولى تتغيّر فورا، مثال قرار أتاتورك بترك الطربوش ولباس القبعة الاوروبية، فمن اليوم الثاني تغيّر اللباس. ولكن هل يستطيع أتاتورك أن يقرر منع التفكير العاطفي أو المنطقي مثلا. فالقضايا الفكرية تحتاج إلى أجيال تربي أجيالا عليها حتى تتحقق. فقضية الحرف تدخل في هذا الاطار وينقصها حتى تتحقق بسرعة أن يأتي حاكم عنده أتاتوركية كمال أتاتورك كعبد الناصر مثلا، وعندها في غضون خمسة أعوام يمكن نشره. ولكن حكام اليوم غير القادرين على تأمين رغيف الخبز بالتأكيد غير قادرين على فرض حرف معيّن. فمن في الحكم عقيمون لا يمكنهم انجاب قرارات عظيمة. لهذا السبب يجب انتظار مجيء مثل هذا الحاكم. ويخطئ من يظن أن المسلمين أو المسيحيين سيناهضونه. لقد سبق وذكّرت أن تغيير الحرف هو أكبر خدمة للقرآن إذ يصبح بالامكان أن نقرأه بشكل صحيح. فما ينقص لانتشار الحرف شرعية الاعلان عنه. ويجب طبعا شرحه أولا حتى يقتنع الناس بصوابيته فينتشر بسرعة وهذا ما يؤمّنه وجود حاكم قوي مقتنع فيه.

ويخلص الشاعر موريس عواد إلى أن ثمة 22 لغة على المتوسط الشرقي يجب أن تقوّى، ومن يقوي اللغة هو الانتاج فيها وما يقوي الانتاج هي الحرية التي بدونها لا نستطيع أن نصنع تحفا. ويضيف “مثلا لو اني في نظام توتاليتاري أو تيوقراطي أو أوليغارشي أو غيرها لما كنت كتبت 30 كتابا وكسّرت عظما ورؤوسا حتى آخر استطاعتي. وكما اللغة اللبنانية في لبنان، ثمة 22 لغة على المتوسط الشرقي، فكل دولة لها بيرقها وحدودها ولغتها. عندما يولد الأولاد في هذه المنطقة كلها يتعلمون الكلام وهم في أحضان أمهاتهم، وعندما يكبرون يتعلمون العربية في المدرسة وعندما يريدون أن يعيشوا يرمون العربية ويتعلمون الانكليزية والفرنسية والالمانية وغيرها، فلا يستطيعون أن يعيشوا بالعربية وأقصى ما يستطيعونه بالعربية أن يصبحوا أساتذة لغة أو صحافيين أو أن يضعوا خطابا ويقرأون الاخبار”.

ويتابع “لا أحد يشتري المعلف قبل الحصان، فالقاعدة يتم وضعها بعد أن يكون قد أصبح بين أيدينا قائمة أو فهرس كبير من اللغة. وطالما نحن نتكلم اللغة فنحن نفهمها وليست بحاجة للقواعد، فإذا كنت تتكلم وأخطأت أي ولد يصحح لك لانه يعيش في هذه اللغة. ولا تصبح اللغة بحاجة إلى الصرف والنحو والقواعد إلا عندما تصبح غير محكية ومقروءة في الكتب وحين يفرّخ على كعبها لغة أخرى. وحينها علينا أن نتكلم لغة أحفاد الاحفاد ونقرأ لغة الجدود. فباختصار اللغة المحكية ليست بحاجة لقاعدة”.
ويقول “لم يكمل سعيد عقل مشروعه الذي بدأه في الستينات يوم طبع كتابه (يارا) وكنت إلى جانبه عند ولادة الكتاب. والمسألة اليوم بحاجة إلى عالِمٍ يصلح اللغة والحرف في لبنان أو أن يكمل ما بدأه شاعرنا الكبير لاصلاح العقل المعطوب في لبنان وعلى كل المتوسط الشرقي بسبب اللغة غير المحكية الميتة. وفي العلوم يقولون إن لغة لم تعد محكية هي لغة ميتة. فكل لغة لا نعيش فيها هي لغة ميتة. ولا يعني ذلك انها غير صالحة، ولكن لا تستطيع أن تكتب بها وجعك. تستطيع أن تخطب بها أن تتذكر فيها أن تكتب جغرافيا وتاريخ ولكن لا تستطيع أن تكتب بها فنا أي الشيء الذي يخص القلب البشري فهنا اللغة التي تعيش فيها تنوجع فيها وتضع وجعك فيها. فمن هو جدي ليس من يتراسل على الحاسوب بل من يتمم مشروع سعيد عقل. كما ان الثقافة في لبنان مفقودة أكثرها على السمع وعلى الاعلام وهي ليست عميقة وفي لبنان لا إستقرار في كل شيء في العواطف والحياة بالسياسة والاقتصاد والادب كون لا أحد يرى أنه باق في هذا البلد. فكل 20 سنة ثمة حرب تسبب برحيل من في البلد ويأتي غيرهم من الخارج ما سيؤدي الى تحويل لبنان شعباً خليطاً كسوق الخضار يحوي خمسين أو ستين صنفاً لا يلتقي أي منها مع الآخر وكل واحد يريد أن يدوس الآخر”.

From: http://www.nowlebanon.com/Arabic/Print.aspx?ID=15898

Blog

  1. No comments yet.
  1. No trackbacks yet.
You must be logged in to post a comment.